العلاقات السورية القطرية

العلاقات السورية القطرية في عهد أحمد الشرع: حقبة جديدة من الشراكة والوفاء

شهدت العلاقات بين قطر وسوريا تحولاً جذريًا مع نهاية عام 2024، عندما انهار نظام بشار الأسد، وتولى الرئيس أحمد الشرع قيادة البلاد في مرحلة انتقالية حاسمة. هذا التغيير الكبير مثّل نقطة انطلاق لعهد جديد من العلاقات السورية القطرية في عهد أحمد الشرع، تقوم فيه العلاقات الثنائية على أساس الثقة المتبادلة والرغبة الصادقة في تحقيق استقرار شامل يعيد لسوريا مكانتها على الساحتين العربية والدولية. قطر، التي حافظت على موقفها المبدئي بدعم الشعب السوري منذ اللحظة الأولى للثورة، لم تنتظر طويلًا لتُفعّل دورها في دعم سوريا الجديدة سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا.

العلاقات السورية القطرية في عهد أحمد الشرع

في يناير 2025، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، بزيارة رسمية إلى دمشق، ليصبح أول زعيم عربي يزور سوريا بعد سقوط نظام الأسد. عكست الزيارة دعمًا مباشرًا وواضحًا للمرحلة الجديدة، وشكّلت رسالة رمزية تؤكد التزام قطر بدعم الشعب السوري لا من باب السياسة فقط، بل من منطلق أخلاقي وإنساني. استُقبل سمو الأمير بحفاوة في دمشق، وعقد محادثات موسعة مع الرئيس أحمد الشرع، تناولت سبل دعم العملية السياسية، وتعزيز المصالحة الوطنية، والبدء بخطوات ملموسة لإعادة بناء ما دمّرته الحرب.

العلاقات السورية القطرية
العلاقات السورية القطرية

عودة الدبلوماسية بين الدوحة ودمشق

بعد انقطاع استمر أكثر من 13 عامًا، أعادت قطر فتح سفارتها في دمشق، خطوة وُصفت بأنها أكثر من مجرد إجراء بروتوكولي، بل تعبير فعلي عن الثقة في مسار التغيير في سوريا. هذه الخطوة جاءت في سياق الدعم القطري الصريح للحكومة الانتقالية بقيادة الشرع، والتي أظهرت منذ يومها الأول رغبة في الانفتاح على العالم العربي وتصفية الملفات العالقة. في المقابل، أعلنت دمشق أنها تعتزم إعادة تفعيل سفارتها في الدوحة وتوسيع العلاقات القنصلية والتجارية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

دعم اقتصادي مباشر واستجابة سريعة للحاجات السورية

لم تكتفِ قطر بالتضامن السياسي، بل بادرت بإطلاق حزمة دعم اقتصادي غير مسبوقة للحكومة السورية الجديدة. فقد أعلنت عن تمويل زيادات الرواتب لموظفي القطاع العام بنسبة 400%، بميزانية شهرية تبلغ 120 مليون دولار، وهي خطوة ساعدت على كبح التضخم وتوفير السيولة اللازمة لتسيير المؤسسات الحكومية. كما عملت قطر على توفير 200 ميغاواط من الكهرباء لعدة محافظات سورية، عبر مشاريع سريعة التنفيذ تهدف إلى تخفيف معاناة المواطنين بعد سنوات من الانقطاع ونقص الخدمات الأساسية.

في هذا السياق، تم إطلاق صندوق قطري-سوري مشترك لإعادة الإعمار، برأسمال مبدئي بلغ مليار دولار. يهدف الصندوق إلى تمويل مشاريع البنية التحتية، المدارس، المستشفيات، وقطاعات الطاقة والمياه، في إطار رؤية شاملة لإعادة الإعمار تقودها الحكومة السورية بدعم تقني وتمويلي من قطر.

زيارة الرئيس الشرع إلى الدوحة: تثبيت الشراكة الجديدة

في منتصف أبريل 2025، توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الدوحة في زيارة رسمية، بدعوة من سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني. مثّلت هذه الزيارة تتويجًا لمسار الانفتاح والتعاون بين البلدين، إذ حمل الشرع معه ملفًا متكاملاً لتطوير العلاقات في مختلف القطاعات، من الأمن والدبلوماسية، إلى الاقتصاد والاستثمار والتدريب المؤسساتي. وخلال الزيارة، عقد الشرع سلسلة لقاءات مع الوزراء القطريين والمستثمرين ورؤساء المؤسسات الوطنية، وشهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت التعليم، الطاقة، والخدمات الحكومية الإلكترونية.

الأمن والدبلوماسية… دعم قطري لبناء مؤسسات الدولة

وضعت قطر خبراتها في خدمة سوريا الجديدة، وساهمت في تدريب كوادر وزارة الداخلية على إدارة الأمن المدني وفق معايير حقوق الإنسان، كما أطلقت برنامجًا خاصًا لتأهيل الكوادر الدبلوماسية السورية من خلال ورش عمل وندوات في الدوحة. وتُخطط الدوحة حاليًا لإنشاء “معهد قطر لتدريب الدبلوماسيين السوريين” في دمشق، بالتعاون مع وزارة الخارجية السورية، ليكون منارة لإعداد جيل جديد من السفراء والممثلين الدوليين يعكسون صورة سوريا الحديثة.

الثقافة والبعد الإنساني في صميم العلاقة

لم يغب البعد الإنساني والثقافي عن هذه العلاقة المتجددة. فقد استضافت مؤسسة قطر الخيرية وفودًا من الأطفال السوريين في مبادرات تعنى بإعادة التأهيل النفسي والتعليم، كما نظمت مكتبة قطر الوطنية فعاليات تروّج للتراث السوري، فيما خصصت قناة الجزيرة مساحة واسعة لتسليط الضوء على جهود البناء والانتقال الديمقراطي في سوريا. هذا الدعم الثقافي يعكس إيمان قطر بأن بناء الدولة لا يقتصر على البنية التحتية بل يشمل أيضًا الإنسان والفكر والهوية.

نحو تكامل اقتصادي واستثماري في المستقبل

تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين انتعاشًا متسارعًا، مع استعداد عدد كبير من رجال الأعمال القطريين للدخول في السوق السورية. وتُطرح مشاريع استثمارية مشتركة في مجالات البناء والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات، مع التركيز على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وإقامة مناطق حرة صناعية بالتعاون بين الجانبين. وتبحث الحكومتان حاليًا في إمكانية إطلاق خط بحري مباشر يربط ميناء حمد في الدوحة بميناء طرطوس السوري، ما من شأنه تسهيل التبادل التجاري وتسريع حركة الإمداد بين البلدين.

وفاء في وقت الحرب وشراكة في زمن السلم

تجسّد العلاقات السورية القطرية في عهد أحمد الشرع واحدة من أنبل قصص الوفاء السياسي في العالم العربي. فقطر التي ساندت السوريين في أحلك اللحظات، ها هي اليوم تتحول إلى الشريك الأوثق لسوريا في مسارها الجديد. وبينما تُبنى المدن من جديد، تُبنى الثقة أيضًا بين شعبين يجمعهما التاريخ والمصير. هذه العلاقة ليست مجرد تحالف ظرفي، بل نواة لتحالف طويل الأمد مبني على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والانتماء العربي الواحد.

الرابط المختصر: doha24.net/s/ph

اشترك في قائمتنا البريدية واحصل على آخر المنشورات لحظة ورودها