ماذا استفادت مصر من زيارة السيسي إلى قطر؟

ماذا استفادت مصر من زيارة السيسي إلى قطر؟

غادر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الدوحة بعد زيارة رسمية دامت يومي 13 و14 أبريل 2025، حيث كان في استقباله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسط حفاوة تعكس دفء العلاقات بين البلدين. زيارة السيسي إلى قطر تكتسب أهمية خاصة من حيث المردود الاقتصادي الذي تحمله لمصر.

وكذلك دلالاتها في السياسة الخارجية المصرية تجاه دول الخليج، فضلاً عن تقاطعها مع ملفات إقليمية ساخنة مثل القضية الفلسطينية وأزمة السودان والبرنامج النووي الإيراني.

زيارة السيسي إلى قطر: استثمارات قطرية بقيمة 7.5 مليار دولار

في ختام مباحثات السيسي مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، أعلن البلدان التوافق على حزمة استثمارات قطرية مباشرة في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار أمريكي تُنفَّذ خلال الفترة المقبلة . هذه الخطوة تمثّل دعمًا اقتصاديًا كبيرًا للقاهرة، التي تبذل جهودًا حثيثة للحصول على تمويلات من جيرانها الخليجيين لمواجهة أزمتها الاقتصادية الراهنة. وتعاني مصر من ديون خارجية ضخمة تضاعفت أربع مرات منذ 2015، إلى جانب عجز متزايد في الموازنة، وقد فاقمت الحرب في غزة العام الماضي من صعوبة الوضع الاقتصادي. لذلك فإن الاستثمارات القطرية الجديدة تشكّل طوق نجاة مهمًا لدعم احتياطيات النقد الأجنبي وتمويل المشروعات التنموية وخلق فرص عمل في الاقتصاد المصري المتعثر.

 زيارة السيسي إلى قطر
زيارة السيسي إلى قطر

هذه الاستثمارات المنتظرة مرشحة لأن تطال قطاعات حيوية ومتنوعة. فقد شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا قطريًا متزايدًا بالسوق المصرية، تُرجم إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 1.2 مليار دولار في 2024 (مقابل 890 مليون دولار فقط في 2022) ). وشمل التعاون الاقتصادي المتنامي مجالات السياحة والرعاية الصحية والعقارات، فيما استقبلت الدوحة وفودًا مصرية قدّمت للمستثمرين القطريين خارطة واسعة من الفرص في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة الخضراء وغيرها .

ويعكس ذلك توجّه القاهرة نحو توفير بيئة جاذبة لرؤوس الأموال الخليجية عبر تسهيل الإجراءات وإزالة العوائق الجمركية . ومن جانبه، أكد السيسي خلال لقائه ممثلي مجتمع الأعمال القطري على حرص مصر توسيع آفاق التعاون واستعدادها لتقديم كافة التسهيلات للمستثمرين، فيما أشاد مسؤولون قطريون بتطور العلاقات الاقتصادية ونمو التبادل التجاري بمعدل سنوي 50% في الأعوام الأخيرة

بناءً على ذلك، يتوقع محللون أن تتوزع الحزمة الاستثمارية القطرية الجديدة على مشروعات مشتركة في البنية التحتية والطاقة والصناعة وغيرها، بما ينعكس إيجابًا على دعم التنمية المستدامة في مصر  ويُعزّز الثقة الدولية باقتصادها.

دلالات الزيارة على سياسة مصر الخارجية والعلاقات الخليجية

على الصعيد السياسي، تعكس زيارة السيسي للدوحة توجهات جديدة في السياسة الخارجية المصرية تجاه الخليج.تشهد العلاقات المصرية القطرية اليوم تقاربًا غير مسبوق يتسم بالدفء والثقة المتبادلة. وجاءت القمة المصرية القطرية في الدوحة لتؤكد عمق الروابط “الأخوية الراسخة والروابط التاريخية المتينة” بين البلدين.

واتفق الجانبان على استمرار التشاور والتنسيق في مختلف القضايا، والبناء على ما تحقق من تقدم للدفع بالعلاقات إلى مستويات أرحب في ظل احترام متبادل ورؤية مشتركة للمستقبل. ويرى مراقبون أن الإعلان عن استثمارات قطرية ضخمة في مصر هو رسالة واضحة تؤكد متانة ودفء العلاقات القطرية المصرية في مواجهة أي محاولات للتشويه أو الوقيعة ، لا سيما وأنها تأتي بعد تقارب تدريجي أثمر تعاونًا اقتصاديًا وسياسيًا متناميًا خلال السنوات الثلاث الماضية.

إن انفتاح مصر على قطر بهذا الشكل يندرج ضمن استراتيجية أوسع للانخراط مع كافة دول الخليج وتعزيز الشراكات العربية. فقد أصبح واضحًا أن القاهرة تعتمد نهجًا براغماتيًا في علاقاتها الخارجية يرتكز على تصفير المشاكل مع القوى الإقليمية وحشد الدعم لمواجهة التحديات الداخلية.

جولة السيسي الخليجية

وفي هذا السياق، جاءت جولة السيسي الخليجية التي بدأت بالدوحة وتشمل الكويت أيضًا لتؤكد حرص مصر على توثيق عرى التعاون الاستراتيجي مع الأشقاء الخليجيين وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري معهم. ومن شأن التقارب المصري مع قطر ودول الخليج الأخرى أن يمنح السياسة الخارجية المصرية عمقًا عربيًا أكبر ورصيدًا من الدعم المالي والسياسي هي بأمسّ الحاجة إليه في ظل أوضاع إقليمية غير مستقرة. كما يعكس هذا التقارب سعي مصر للاستفادة من دور قطر الإقليمي المتنامي وقنوات تواصلها الفاعلة، سواء في ملفات وساطة النزاعات أو في الاستثمارات العابرة للحدود. وبالمقابل،

تنظر قطر إلى مصر كشريك عربي ثقيل الوزن ذي تأثير إقليمي مهم، ما يفسّر الحرص المتبادل على تجاوز خلافات الماضي وترسيخ علاقات تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وبالفعل، أكد البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة ارتياح البلدين للتقدم المحرز في علاقاتهما وتطلعهما لمستقبل يسوده الأمن والاستقرار والازدهار المشترك تنسيق مصري–قطري في ملفات غزة والسودان وإيران

امتدت نقاشات القمة المصرية القطرية لتشمل أبرز القضايا الإقليمية الساخنة، حيث أظهرت القاهرة والدوحة توافقًا في الرؤى وتنسيقًا في الأدوار حيال هذه الملفات:

القضية الفلسطينية وتصعيد غزة

جرت الزيارة فيما لا تزال الأوضاع في قطاع غزة مشتعلة مع دخول الحرب هناك شهرها التاسع عشر . وقد شدد السيسي وأمير قطر على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، وأكدا دعمهما الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وفي ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة، برزت مصر وقطر كوسطاء أساسيين في جهود التهدئة.

أشاد البيان المشترك بجهود الوساطة التي تقودها البلدان بالشراكة مع الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء الحرب في القطاع ، مستنكرًا كل محاولات تعطيل المسارات التفاوضية أو استهداف الوسطاء . وكانت القاهرة قد نجحت بالتعاون مع الدوحة وواشنطن في يناير 2025 في إبرام اتفاق مرحلي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس ، قبل أن تنهار الهدنة بفعل تل أبيب في مارس الماضي. وخلال هذه الزيارة، جدّد الطرفان التزامهما بالعمل المشترك لوقف نزيف الدم في غزة، مع التشديد على أهمية التوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار وضمان إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان القطاع.

كما جدّدت مصر وقطر دعمهما الكامل لخطة إعادة إعمار قطاع غزة في إطار خطة عربية وإسلامية للتعافي المبكر، وأعربتا عن تطلعهما لعقد مؤتمر دولي في القاهرة لحشد الدعم لإعمار غزة بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين . هذا التناغم المصري القطري في ملف غزة يعزز فرص نجاح الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب، إذ يجمع بين ثقل مصر الإقليمي وعلاقاتها المباشرة مع الجانب الإسرائيلي من جهة، ودور قطر المؤثر في التواصل مع حركة حماس والمجتمع الدولي من جهة أخرى.

الأزمة السودانية

تناولت المباحثات أيضًا تطورات الصراع المسلّح في السودان المجاور لمصر، والذي اندلع منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأعرب الجانبان عن بالغ القلق من استمرار القتال في السودان وما يخلفه من معاناة إنسانية.

وشددا على أهمية الوقف الفوري للعمليات العسكرية هناك والعودة إلى مسار الحوار الوطني الشامل بما يحفظ وحدة السودان وسيادته . وأكدت مصر وقطر دعمهما الكامل لكافة المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لإنهاء النزاع السوداني.

ويأتي هذا الموقف في ظل انخراط البلدين – كلٌ على حدة – في جهود وساطة ومساعدات إنسانية للأشقاء في السودان؛ فالقاهرة استضافت سابقًا قمة لدول جوار السودان لبحث إنهاء الأزمة، والدوحة من جهتها أطلقت جسرًا جويًا لإيصال مساعدات عاجلة إلى الخرطوم والمناطق المتضررة .

التنسيق المصري القطري بشأن السودان يعكس إدراكًا مشتركًا لخطر استمرار الفوضى هناك على الأمن الإقليمي، وخاصة على مصر التي تتشارك حدودًا طويلة مع السودان وتستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفارّين من النزاع. كما يشير إلى رغبة البلدين في لعب دور بنّاء لحلحلة الأزمة، سواء عبر دعم مبادرات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة أو عبر جهود ثنائية تكاملية تخفّف المعاناة الإنسانية عن الشعب السوداني.

الملف النووي الإيراني والتوتر الخليجي–الأمريكي

جاءت زيارة السيسي للدوحة في وقت تشهد فيه المنطقة حراكًا دبلوماسيًا حول إحياء المفاوضات بخصوص برنامج إيران النووي، وسط توتر في العلاقة بين طهران وواشنطن. وأشار البيان المشترك إلى ترحيب الجانبين باستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، مؤكدين دعمهما لأي مساعٍ سلمية تهدف إلى خفض التوتر الإقليمي وتعزيز الأمن والاستقرار.

كما ثمّن السيسي والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الجهود الدبلوماسية التي تبذلها سلطنة عُمان الشقيقة في هذا الإطار، في إشارة إلى دور مسقط كوسيط يستضيف جولات الحوار بين الإيرانيين والأمريكيين. وتعكس هذه المواقف حرص مصر وقطر على تجنيب المنطقة ويلات تصعيد جديد قد يترتب على فشل المسار الدبلوماسي مع إيران، لاسيما وأن أي مواجهة عسكرية أو سباق تسلّح نووي ستكون عواقبهما وخيمة على أمن الخليج والشرق الأوسط برمته.

ومن الجدير بالذكر أن الدوحة تقوم بدور فعّال كقناة اتصال بين طهران وواشنطن في محادثات غير مباشرة، وقد أبدت استعدادها لدعم الحلول الدبلوماسية، فيما تعبّر القاهرة عن أملها في نتائج إيجابية لهذه المفاوضات .

التنسيق المصري القطري في هذا الملف يوجه رسالة بأن الدول العربية الكبرى تتابع عن كثب تطورات البرنامج النووي الإيراني ولن تكون بمعزل عن أي ترتيبات أمنية جديدة قد تنتج عنه، بل تسعى للتأثير إيجابًا لضمان حلول سلمية تكفل استقرار المنطقة وتجنبها السيناريوهات الأسوأ.

حرص البلدين على تنسيق مواقفهما إزاء الأزمات الإقليمية

في المجمل، أظهرت زيارة الرئيس السيسي إلى قطر حرص البلدين على تنسيق مواقفهما إزاء الأزمات الإقليمية. فقد برز دور ثنائي مشترك في الوساطة الإقليمية، سواء في جهود وقف الحرب في غزة أو دعم مبادرات حل أزمة السودان أو الدفع نحو تهدئة مع إيران. هذا التقاطع في الرؤى وتعاظم التعاون السياسي بين القاهرة والدوحة يعزّز مكانتهما كفاعلين إقليميين يمكنهما الإسهام جماعيًا في معالجة النزاعات المستعصية، مستفيدين من علاقاتهما المتشابكة مع مختلف الأطراف. ومع استمرار التطورات في هذه الملفات، ستكون الأنظار متجهة إلى مدى قدرة مصر وقطر على ترجمة توافقهما السياسي إلى تحركات ملموسة للوساطة ورفع صوت الدبلوماسية لتهدئة الساحات الملتهبة في المنطقة.

زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحةوأبعادها متعددة

اختزلت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة أبعادًا متعددة، من إنعاش الاقتصاد المصري عبر الاستثمارات القطرية السخية، إلى ترسيخ الشراكة السياسية مع قطر وباقي دول الخليج، وصولاً إلى تعزيز التنسيق حيال ملفات إقليمية ملتهبة. ومما لا شك فيه أن الزخم الذي شهدته العلاقات المصرية القطرية خلال هذه الزيارة يرسل إشارات إيجابية حول دخولها مرحلة جديدة أكثر تقاربًا وتكاملًا. فعلى الجانب الاقتصادي، تنتظر القاهرة ضخ استثمارات بمليارات الدولارات تخفف أزمتها المالية وتطلق مشاريع تنموية طموحة.وعلى الجانب الدبلوماسي، برهنت الزيارة على نجاح البلدين في تجاوز العقبات والتطلع سويًا نحو تعاون تكاملي يعود بالنفع عليهما وعلى المنطقة.

وبينما تستعد مصر لاستضافة مؤتمر دولي لإعمار غزة وتواصل قطر جهودها النشطة في الوساطات، يبدو التحالف المصري القطري مرشحًا للاضطلاع بدور أكبر في صياغة حلول سلمية لأزمات الشرق الأوسط. باختصار، رسّخت هذه الزيارة أسس شراكة إستراتيجية بين القاهرة والدوحة، قوامها الدعم الاقتصادي المتبادل والرؤية السياسية المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة.

الرابط المختصر: doha24.net/s/pc

اشترك في قائمتنا البريدية واحصل على آخر المنشورات لحظة ورودها