العلاقات القطرية المصرية

العلاقات القطرية المصرية: شراكة استراتيجية تتجدد في ظل التحديات الإقليمية

ترتبط دولة قطر وجمهورية مصر العربية بعلاقات تاريخية راسخة، تمتد جذورها إلى عقود من التفاعل والتعاون والتقارب الحضاري والثقافي. العلاقات القطرية المصرية لا تقتصر فقط على التقارب الجغرافي والانتماء العربي، بل تشمل الروابط الاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية، التي ساهمت في تشكيل أرضية خصبة للحوار والتكامل بين البلدين.

أمير دولة قطر والرئيس المصري
أمير دولة قطر والرئيس المصري

وقد شهدت هذه العلاقات على مر الزمن تقلبات، إلا أنها ظلت محافظة على طابعها المؤسسي القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ما أتاح فرصة دائمة لإعادة البناء وتعزيز الشراكة، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

العلاقات القطرية المصرية: زيارات رفيعة المستوى

في السنوات الأخيرة، تكثفت الزيارات الرسمية بين قيادتي البلدين، ما شكّل نقطة تحول إيجابية في العلاقات القطرية المصرية. في سبتمبر 2022، قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزيارة رسمية إلى الدوحة، تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الاستثمار والموانئ والشؤون الاجتماعية، كما دعا الرئيس السيسي رجال الأعمال القطريين إلى زيارة مصر والاطلاع على الفرص المتاحة.
وفي المقابل، زار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، القاهرة مرتين، الأولى في يونيو 2022 والثانية في نوفمبر 2023، وتم خلالهما عقد جلسات مباحثات رسمية مع الرئيس المصري. ناقشت هذه اللقاءات سبل تطوير العلاقات في مجالات الاستثمار والطاقة والدفاع والثقافة، إضافة إلى التوافق حول عدد من القضايا الإقليمية.

توحيد المواقف تجاه القضية الفلسطينية

واحدة من أبرز محاور التقارب بين البلدين، هي تنسيقهما المستمر بشأن الملف الفلسطيني، خاصة في ظل التصعيد العسكري المستمر على قطاع غزة. فقد شدد الجانبان، في أكثر من مناسبة، على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية دون قيود، مؤكدين دعمهم الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا الموقف الموحد أضفى مزيدًا من الثقل الدبلوماسي على الجهود العربية والدولية لاحتواء الأزمة، كما عزز صورة البلدين كقوتين إقليميتين تسعيان إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

انتعاش اقتصادي وتوسع في حجم التبادل التجاري

العلاقات الاقتصادية بين قطر ومصر شهدت تطورًا ملحوظًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى نحو 1.2 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ890 مليون دولار في عام 2022. ويعكس هذا النمو توجّهًا سياسيًا واقتصاديًا نحو إزالة العقبات الإجرائية، وتوسيع آفاق التعاون في القطاعات الحيوية.
وتُعد الاستثمارات القطرية في السوق المصرية واحدة من أبرز صور هذا التعاون، إذ تعمل في مصر أكثر من 260 شركة قطرية، تتوزع استثماراتها على قطاعات السياحة والعقارات والطاقة والصناعة. ويُقدّر حجم هذه الاستثمارات بحوالي 2.1 مليار دولار، منها ما يقرب من 250 مليون دولار في القطاع السياحي وحده.
من جهته، يُعد جهاز قطر للاستثمار أحد الفاعلين الأساسيين في السوق المصرية، إذ يملك حصة تقدر بـ3.3 مليار دولار في مشاريع سياحية وعقارية ضخمة.

مشاريع وفرص استثمارية واعدة

المشروعات القطرية في مصر تواكب خطط القاهرة التنموية، خصوصًا في العاصمة الإدارية الجديدة، والموانئ الذكية، والمدن الصناعية، مما جعل مصر وجهة جذابة للمستثمرين القطريين. في المقابل، تسعى الشركات المصرية لدخول السوق القطرية، خاصة مع التسهيلات التي تمنحها الحكومة القطرية للمستثمرين الأجانب، كإتاحة التملك بنسبة 100%، والبنية التحتية المتقدمة، والمناطق الحرة، وميناء حمد الدولي، والمطار الحديث.
المنتديات الاقتصادية المشتركة بين البلدين ساهمت بدورها في ترويج الفرص الاستثمارية، وتحقيق تفاهمات مهمة بين القطاعين الخاصين في قطر ومصر، سواء من خلال الزيارات المتبادلة أو الملتقيات المنظمة في الدوحة والقاهرة.

تعاون حكومي مؤسسي مستدام

في مارس 2023، انعقدت في الدوحة الدورة الخامسة للجنة العليا القطرية-المصرية المشتركة، برئاسة وزيري خارجية البلدين. وشهدت الدورة توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات التعليم، والشباب، والدبلوماسية، والتجارة، والشؤون الاجتماعية. كما ناقش الجانبان تطورات الوضع في فلسطين، والجهود العربية لتخفيف معاناة سكان غزة.
وفي إطار تعزيز العلاقات الثنائية، قام رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بزيارات رسمية عدة إلى القاهرة، كان آخرها في نوفمبر 2024، في حين زار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، الدوحة أكثر من مرة، للمشاركة في منتدى الدوحة ومتابعة الملفات الثنائية.

بُعد ثقافي يرسخ أواصر الأخوة

لم تقتصر العلاقات بين البلدين على السياسة والاقتصاد، بل امتدت لتشمل الجانب الثقافي، حيث استضافت الدوحة في يناير 2025 الأسبوع الثقافي المصري، والذي تخلله عروض فنية وتراثية تعكس تنوع وثراء الثقافة المصرية. هذه الفعالية لم تكن فقط احتفالًا بالفن المصري، بل جاءت لترسيخ أواصر التواصل بين الشعبين، وبناء جسور من التفاهم الحضاري.

تحديات إقليمية ومسؤولية مشتركة

في ظل ما يشهده العالم العربي من تحديات أمنية وسياسية، تلعب قطر ومصر دورًا محوريًا في صياغة موقف عربي موحد. كلا البلدين يتشاركان الهم الإقليمي ذاته، من فلسطين إلى ليبيا، مرورًا بسوريا ولبنان والسودان، ويعملان ضمن أطر تنسيقية تدعم مبادئ السيادة والاستقرار، وترفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول.
التقارب القطري المصري لا يمثل مجرد تقارب بين دولتين، بل يعكس رغبة عربية في تعزيز التكتل الإقليمي لمواجهة التحديات المتزايدة، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو أمنية، أو حتى متعلقة بتغير المناخ والأمن الغذائي.

العلاقات القطرية المصرية.. نحو مستقبل تكاملي

من خلال تعزيز الشراكة الاقتصادية، وتكثيف التنسيق الدبلوماسي، وتنمية أواصر التعاون الثقافي والاجتماعي، تؤسس قطر ومصر لعلاقة نموذجية في العالم العربي، تقوم على التوازن والاحترام وتبادل المنافع. هذا النهج يُعد اليوم حاجة ملحة، لا سيما في بيئة دولية متغيرة تتطلب بناء تحالفات متينة ومتزنة.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تُترجم هذه العلاقات إلى شراكات نوعية جديدة في قطاعات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والاقتصاد الأخضر، بما يواكب رؤية قطر الوطنية 2030، ورؤية مصر 2030.

الرابط المختصر: doha24.net/s/p6

اشترك في قائمتنا البريدية واحصل على آخر المنشورات لحظة ورودها