قطر تحسم الجدل حول رؤية هلال عيد الفطر علميًا بعدما أكد الشيخ سلمان بن جبر آل ثاني، رئيس مركز قطر لعلوم الفضاء والفلك، أن هلال شهر شوال لعام 1446 هـ وُلد في سماء دولة قطر يوم السبت الموافق 29 مارس 2025، في تمام الساعة 1:57 مساءً بالتوقيت المحلي.
قطر تحسم الجدل حول رؤية هلال عيد الفطر
أوضح الشيخ أن الهلال غرب بعد غروب الشمس بخمس دقائق فقط، وهو ما يعني إمكانية رؤيته وفقًا للحسابات الفلكية الدقيقة.
وجاء هذا التصريح عبر منشور رسمي للشيخ على حسابه في منصة “إكس”، حيث كتب:
“قلت لكم إن احتمال رؤية الهلال واردة. ولله الحمد أتممنا الشهر الفضيل.”
تصريحه جاء بمثابة رد علمي موثق على الجدل الدائر في بعض الدول حول صعوبة رؤية الهلال، مؤكدًا أن الظروف الفلكية كانت مواتية للرؤية في قطر، ما يُعزز اعتماد الدولة على المنهج العلمي في تحديد بدايات الشهور القمرية.

تقنية CCD ودورها في تصوير هلال العيد
تُعد تقنية التصوير الفلكي باستخدام كاميرا CCD (جهاز اقتران الشحنة) من الأدوات المتقدمة التي أحدثت نقلة نوعية في رصد الأجرام السماوية الخافتة والدقيقة، ومن بينها هلال العيد، الذي يُعد من أصعب الأهداف الفلكية من حيث الرصد البصري. فعند بداية الشهر القمري، يكون الهلال قريبًا جدًا من قرص الشمس، ما يجعله باهتًا للغاية ويصعب رؤيته بالعين المجردة أو حتى بالتلسكوب العادي.
وهنا يأتي دور كاميرات CCD، التي تتميز بحساسيتها العالية للضوء، وقدرتها على التقاط الفوتونات الضعيفة حتى في ظروف الإضاءة القوية أو الضوضاء البصرية المرتفعة.
عند توجيه التلسكوب المزود بكاميرا CCD نحو الأفق بعد غروب الشمس مباشرة، يمكن للكاميرا تسجيل صورة للهلال الجديد من خلال التعريض الطويل (long exposure) والتبريد الإلكتروني الذي يقلل التشويش الحراري، إضافة إلى المعالجة الرقمية للصورة لاحقًا لتحسين التباين وإبراز تفاصيل الهلال غير المرئية.
بفضل هذه التقنية، أصبح من الممكن توثيق رؤية الهلال بشكل دقيق وموثوق، مما يساعد على إثبات دخول شهر شوال بطريقة علمية داعمة لجهود اللجان الشرعية والفلكية حول العالم.

وزارة الأوقاف تعلن: الأحد أول أيام عيد الفطر
بناءً على تقرير اللجنة المختصة بتحري الهلال، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر أن يوم الأحد، 30 مارس 2025، هو أول أيام عيد الفطر المبارك في البلاد. جاء الإعلان متماشيًا مع نتائج الرصد الفلكي والتقارير الميدانية التي أكدت ثبوت رؤية الهلال.
وقد هنأت الوزارة عموم المواطنين والمقيمين بحلول العيد، داعيةً الجميع إلى تعزيز روح التضامن والمودة خلال أيام العيد، ومواصلة العمل بالقيم الإسلامية التي عُززت خلال شهر رمضان.
لماذا يختلف إعلان العيد بين الدول الإسلامية؟
من أبرز الإشكاليات التي تظهر سنويًا في نهاية رمضان، هو الاختلاف في إعلان أول أيام عيد الفطر بين الدول الإسلامية، ما يُحدث لبسًا لدى الجاليات المسلمة حول العالم.
وقد تكرر هذا السيناريو هذا العام أيضًا، حيث أعلنت قطر والسعودية والإمارات أن الأحد هو أول أيام العيد، بينما اختارت مصر وسوريا والأردن والمغرب يوم الاثنين، 31 مارس، باعتباره أول أيام شوال، بسبب تعذر رؤية الهلال في سمائها.
وفي هذا الصدد، أوضح الشيخ سلمان بن جبر أن هذا الأمر طبيعي ومتكرر، قائلاً:
“عادي وتحصل كثير أن في بعض الدول ما ينشاف، ولا يوجد فيها أي خطأ. والدين يُسر، وذكر عليه الصلاة والسلام أنه متى ما غمّ علينا ولم نره نُكمل الشهر.”
هذا التصريح يعكس المرونة الفقهية في التعامل مع موضوع الرؤية، ويفتح المجال للتفاهم بين الدول بشأن أساليب التثبت من ولادة الهلال.
الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية: هل يمكن التوفيق بينهما؟
في السنوات الأخيرة، ازداد النقاش حول إمكانية توحيد بداية الشهور الهجرية بين الدول الإسلامية، من خلال الاعتماد على الحسابات الفلكية الدقيقة، التي تحدد ولادة الهلال وموقعه بالنسبة للأفق بدقة متناهية.
عدد من الفقهاء والباحثين في علم الفلك يرون أن الحسابات الفلكية لا تتعارض مع الشريعة، بل يمكن الاعتماد عليها لضبط توقيت بداية الأشهر، خاصة في حال تعذر الرؤية البصرية.
وقد أشار تقرير لموقع هسبريس المغربي إلى أن العديد من الباحثين يرون أن اختلاف المعايير بين الدول هو السبب الرئيسي لتكرار هذه الفوارق، ويقترحون “توحيد الرؤية الفلكية ضمن إطار مؤسساتي إسلامي جامع” لتفادي التضارب.
تصريح مفتي مصر: الاختلاف لا يفسد للعيد فرحة
من جانبه، علّق مفتي الجمهورية المصرية الدكتور شوقي علام، على هذا الاختلاف قائلًا:
“الاختلاف بين الدول أمر طبيعي، وهو ناتج عن اعتماد كل دولة على رؤيتها المحلية. الشريعة تراعي الواقع الجغرافي والفلكي لكل منطقة.”
هذا التصريح جاء ردًا على استغراب البعض من إعلان العيد في دول قبل أخرى، مؤكدًا أن كل دولة تعتمد على رؤيتها وفق ما يُتاح لها من وسائل شرعية أو فلكية.
في قطر.. ثقة بالعلم واحترام للشريعة
من خلال إعلان مركز قطر لعلوم الفضاء والفلك، يتبين أن الدولة تسير وفق مقاربة علمية شرعية متوازنة. فهي تعتمد على الحسابات الفلكية الحديثة لتحديد ولادة الهلال، لكنها في ذات الوقت تحرص على تطبيق الرؤية الشرعية التقليدية قبل إعلان بداية الشهر.
هذا التوازن بين العلم والدين يُعد من أبرز نقاط القوة في المنظومة القطرية، حيث يتم احترام المبادئ الإسلامية دون التخلي عن أدوات العلم الحديث. وهو نهج يُسهم في تقليل الجدل، ويعزز ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.