في الذكرى التاسعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016، تعود الأضواء من جديد إلى المواقف الدولية التي صنعت الفارق في تلك الليلة المصيرية، وعلى رأسها الموقف القطري الذي وصفته وكالة الأناضول الرسمية بأنه “الأول في العالم” من حيث الدعم العلني للحكومة المنتخبة. فقد كان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، أول زعيم في العالم يُدين الانقلاب، ويعلن دعمه لشرعية القيادة السياسية التركية.
في الذكرى السنوية التاسعة لانتصار الشعب وهزيمة الانقلاب في تركيا.. يوم سجّل أمير قطر أول موقف في العالم ضد الانقلابيين. pic.twitter.com/iJ5ig2t5jm
— وكالة أنباء تركيا (@tragency1) July 15, 2025
ليلة التحدي: الدبابات في الشوارع وصوت الشعب في الميدان
في واحدة من أكثر اللحظات حرجًا في تاريخ تركيا الحديث، خرجت جموع غفيرة من الشعب التركي إلى الشوارع استجابة لنداء الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي خاطب الأمة عبر الهاتف داعيًا للدفاع عن الديمقراطية.
أظهرت تركيا، شعبًا وقيادة، تصميمًا نادرًا على كسر المحاولة الانقلابية خلال ساعات، في مشهدٍ وثّق للعالم أن الإرادة الشعبية أقوى من الانقلابات.
ووفق ما أوردته وكالة الأناضول (15 يوليو 2024)، أسفرت المحاولة الانقلابية عن استشهاد 252 شخصًا، وإصابة أكثر من 2700 آخرين، واعتقال آلاف من الضباط والجنود المتورطين. لقد تحوّلت تلك الليلة إلى رمز للديمقراطية والصمود الشعبي في وجه عسكرة السياسة.

بيان الدوحة: رفض قاطع منذ اللحظة الأولى
مع الساعات الأولى للانقلاب، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا حازمًا أكّدت فيه رفض قطر المطلق لأي محاولة لتقويض النظام الدستوري في تركيا.
وفي اليوم التالي (16 يوليو 2016)، نقلت وكالة الأنباء القطرية “قنا” دعم الدوحة الكامل للحكومة المنتخبة، في موقف عدّته تركيا بمثابة “إعلان تضامن تاريخي” مع الشرعية.
وفي تصريحات لوكالة الأناضول، أشادت مصادر رسمية تركية بموقف سمو الأمير تميم، واصفة إياه بـ”المشرّف والأول من نوعه”، لما له من أثر مباشر في رفع معنويات الأتراك وتعزيز الموقف الدولي الرافض للانقلاب.
خلفيات الانقلاب: صعود تركيا يغضب خصومها
عشية محاولة الانقلاب، كانت تركيا قد قطعت شوطًا كبيرًا في بناء نموذجها المستقل سياسيًا واقتصاديًا. ووفق بيانات وزارة التجارة التركية (2024)، دخلت البلاد قائمة أقوى 20 اقتصادًا عالميًا، مع قفزات غير مسبوقة في الصناعات الدفاعية، والطاقة، والبنية التحتية.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان صرّح في مقابلة حديثة (الأناضول، 2024) بأن بعض القوى الإقليمية والدولية “رأت في نجاح تركيا خطرًا على موازين القوى التقليدية، فسعت إلى تقويضه من الداخل”، من خلال دعم مشاريع فوضوية مثل الانقلابات.
هدف الانقلابيين: إعادة تركيا إلى زمن الوصاية العسكرية
بحسب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التركية (2017)، فإن قادة المحاولة الانقلابية سعوا إلى إعادة البلاد إلى نظام الحكم العسكري، وإجهاض المشروع الديمقراطي الذي كانت تركيا قد بدأته منذ مطلع الألفية.
لكن وقوف الشعب إلى جانب قيادته، وتلاحم مختلف الأحزاب، أحبط هذه المحاولة خلال ساعات. وقد شكّلت تلك الليلة علامة فارقة في تاريخ المنطقة، ورسالة قوية برفض الشعوب لأي حكم خارج الإرادة الانتخابية.

قطر وتركيا.. تحالف توثّق بالدم والمواقف
الموقف القطري من انقلاب 2016 لم يكن مجرد بيان، بل كان نقطة تحوّل في العلاقات القطرية-التركية. وقد عُزّز هذا الموقف خلال السنوات التالية عبر شراكات استراتيجية شملت الاقتصاد، والطاقة، والدفاع، والأمن.
فبحسب إحصاءات وزارة التجارة التركية (2024)، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 2.3 مليار دولار، فيما تجاوزت الاستثمارات القطرية في تركيا حاجز 33 مليار دولار.
كما توسعت قاعدة “طارق بن زياد” العسكرية التركية في الدوحة، لتُشكل أحد أبرز رموز التعاون الدفاعي بين البلدين.
يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية: تركيا تخلد الذكرى وتكرّم الحلفاء
في 15 يوليو من كل عام، تنظم تركيا فعاليات ضخمة لتكريم شهداء محاولة الانقلاب، تحت اسم “يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية”. ووفق بيان صادر عن الرئاسة التركية (2024)، فإن هذا اليوم يمثل فرصة لترسيخ ثقافة مقاومة الانقلابات، وتقدير المواقف الداعمة من الخارج.
وقال الرئيس أردوغان في خطاب ألقاه بهذه المناسبة:
“لن ننسى المواقف النبيلة للدول الصديقة، وفي مقدمتها دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذين وقفوا معنا في أحلك اللحظات.”
الدوحة وأنقرة: شراكة تصنع التوازن الإقليمي

منذ عام 2016، انتقلت العلاقات القطرية-التركية إلى مستوى استراتيجي غير مسبوق. فقد وقّع الجانبان عشرات الاتفاقيات في مختلف القطاعات، كما تكاملت رؤيتهما الإقليمية في ملفات حساسة، أبرزها مكافحة الانقلابات والتطرف، ودعم الاستقرار الإقليمي.
كما لعب البلدان دورًا محوريًا في تقديم مبادرات الوساطة والدبلوماسية في المنطقة، ما عزز صورتهما كشريكين في بناء شرق أوسط أكثر استقرارًا، بعيدًا عن التدخلات الخارجية والوصاية السياسية.
مواقف تُسجَّل في التاريخ
لقد برزت دولة قطر في تلك الليلة التاريخية ليس فقط كداعم سياسي، بل كحليف استراتيجي يرفض الانقلابات، ويؤمن بشرعية الشعوب.
وقد سجّل التاريخ أن أول من نطق بالحق في وجه الدبابات كان زعيمًا عربيًا من الخليج، اسمه تميم بن حمد.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.