شهدت العاصمة القطرية الدوحة حدثاً صادماً تمثل في استهداف إسرائيلي دقيق لمكان اجتماع وفد حركة حماس المفاوض، الذي كان يناقش مقترحات لوقف إطلاق النار في غزة بوساطة دولية. ورغم قوة الضربة وسقوط ضحايا من المرافقين، إلا أنّ القادة الرئيسيين خرجوا من الهجوم سالمين، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة حول كيفية نجاتهم من هذه العملية النوعية. وحسب مصادر خاصة لـ”دوحة 24″: هذه أسباب نجاة قادة حماس من محاولة اغتيال في الدوحة
أسباب نجاة قادة حماس من محاولة اغتيال في الدوحة
بحسب مصادر “دوحة 24″، فقد أسفر الهجوم عن مقتل خمسة من أعضاء الطاقم المرافق للوفد، من بينهم همام خليل الحية نجل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إضافة إلى مدير المكتب جهاد لبد وثلاثة آخرين من الطاقم الأمني. كما أعلنت وزارة الداخلية القطرية استشهاد أحد عناصر قوة “لخويا” الذي كان مكلفاً بحماية الوفد.
في المقابل، نجا كل من خليل الحية، وخالد مشعل، وعدد من أعضاء القيادة، الذين لم يتعرضوا لإصابات مباشرة.

الاحتمال الأول: فصل الهواتف المحمولة
أبرز الروايات التي رجّحتها مصادر مقربة من حركة حماس أن الوفد اعتمد على إجراءات أمنية مشددة تضمنت ترك هواتفهم المحمولة في منزل مجاور لمكان الاجتماع. هذا الإجراء، الذي اعتادت المقاومة اتباعه لتفادي الاختراقات، ساهم في تضليل تقنية التتبع الإسرائيلية التي تعتمد بشكل أساسي على الإشارات الصادرة من الهواتف لتحديد المواقع بدقة.
وبحسب المصادر، فإن المنزل الذي ضم الهواتف هو نفسه الذي استُهدف بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد المرافقين الموجودين داخله، بينما كان القادة في مكان آخر أكثر تحصيناً.
الاحتمال الثاني: معلومات استخباراتية عاجلة
رواية أخرى – وإن بدت ضعيفة – أشارت إلى احتمال وصول تحذيرات استخباراتية عاجلة من الجانب التركي إلى السلطات القطرية قبل ثوانٍ قليلة من تنفيذ الغارة. هذه المعلومات، إن صحت، سمحت بإخلاء أو إعادة تموضع لوفد حماس بشكل جزئي، وهو ما جعل الضربة لا تصيب غرفة القيادة الأساسية.
إلا أن هذه الفرضية لا تجد ما يدعمها رسمياً حتى الآن، خاصة في ظل نفي أنقرة والدوحة وجود أي تنسيق استخباراتي معلن في هذا الإطار.

الاحتمال الثالث: طبيعة الموقع المستهدف
تشير تقارير أمنية إلى أن الوفد كان مجتمعاً في مجمّع سكني محصّن نسبياً، وأن الاستهداف تركز على الأجزاء الأقل تحصيناً منه. هذا التوزيع الجغرافي سمح للقادة بالبقاء في غرف محمية أثناء الهجوم، بينما أصيب المرافقون المتواجدون في المبنى الملحق.
وتؤكد هذه الرواية تصريحات صدرت عن مصادر أمنية قطرية، أوضحت أن سرعة إخلاء القيادات ساهمت بشكل كبير في تقليل الخسائر.
ردود فعل حماس والدوحة
وصفت حركة حماس العملية بأنها “جريمة بشعة وعدوان سافر”، مؤكدة أن الهجوم لن يغيّر من مواقفها التفاوضية، ولن يثنيها عن مواصلة مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.
أما قطر، فقد أصدرت بياناً رسمياً عبر وزارة خارجيتها، اعتبرت فيه الاستهداف انتهاكاً صارخاً لسيادتها وخرقاً للقانون الدولي، مؤكدة استمرارها في لعب دور الوسيط من أجل تهدئة الأوضاع في غزة.
بيان وزارة الداخلية لمستجدات الاستهداف الإسرائيلي لمقرات سكنية يقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة القطرية.#الداخلية_قطر pic.twitter.com/gcV3x8GgWE
— وزارة الداخلية – قطر (@MOI_Qatar) September 9, 2025
لماذا نجحت إسرائيل في اغتيال قادة حماس في إيران وفشلت في الدوحة؟
شهدت السنوات الماضية نجاح إسرائيل في اغتيال أو محاولة اغتيال عدة شخصيات بارزة في المقاومة، من بينها إسماعيل هنية في إيران، وعمليات استهدفت حسن نصر الله وقادة حزب الله في لبنان. تعود هذه النجاحات إلى اعتماد إسرائيل على معلومات استخباراتية دقيقة جداً، واستغلال ثغرات أمنية، واستهداف مواقع أقل حماية ومراقبة، مما أتاح لها تنفيذ عمليات دقيقة وفعالة دون مواجهة حماية محلية مباشرة.
الفارق الأمني في حالة وفد حماس
في المقابل، واجه وفد حماس المفاوض في الدوحة بيئة مختلفة تمامًا، تتميز بـ حماية أمنية مشددة ودور قطري مباشر. فالوفد اعتمد على إجراءات احتياطية مشددة مثل ترك الهواتف المحمولة في مواقع مجاورة لتجنب التتبع، وتوزيع الحضور في متباعدة داخل المجمع السكني بعيدًا عن نقاط الضعف المعتادة التي تُستغل في اغتيالات الشخصيات البارزة. هذه الإجراءات الأمنية جعلت الغارة الإسرائيلية أقل فعالية، وأدى إلى نجاة القادة الرئيسيين رغم سقوط المرافقين.
العوامل التقنية والإستراتيجية للفشل والنجاح
نجاح إسرائيل في العمليات السابقة اعتمد على معرفة دقيقة بحركة الهدف والروتين اليومي له، واستغلال ضعف الحماية المحلية. أما في الدوحة، فقد شكلت التدابير الاحتياطية، والمراقبة الأمنية، والتعاون القطري حاجزاً أمام نجاح الهجوم، ما يُظهر أن فشل اغتيال وفد حماس لم يكن صدفة، بل نتيجة تكامل عوامل أمنية وتقنية واستراتيجية منسقة بعناية.

تداعيات سياسية وأمنية
الهجوم على الدوحة لم يكن حدثاً عسكرياً فحسب، بل حمل أبعاداً سياسية عميقة. إذ اعتبر مراقبون أن استهداف قيادات حماس داخل قطر يمثل تحدياً مباشراً للدور القطري كوسيط إقليمي. كما أثار تساؤلات حول حدود التصعيد الإسرائيلي، ومدى استعداد تل أبيب للمخاطرة بعلاقاتها مع شركاء إقليميين ودوليين عبر تنفيذ ضربات في عواصم محمية دبلوماسياً.
التحقيقات القطرية
أعلنت وزارة الداخلية القطرية أن أجهزة الأمن بدأت على الفور تحقيقات فنية لتحديد طبيعة الصواريخ المستخدمة ومسار الطائرات المسيّرة أو المقاتلات التي نفذت العملية. وأكدت مصادر أمنية أن العمل جارٍ على جمع الأدلة، بالتعاون مع شركاء دوليين، للكشف عن كيفية خرق الأجواء القطرية والوصول إلى الموقع المستهدف.
معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية @MBA_AlThani_ في مؤتمر صحفي خاص: تعرضت اليوم دوله قطر إلى هجوم غادر من قوات الاحتلال الإسرائيلية ولا يمكن تفسيره إلا في سياق “إرهاب دولة”. هذا الاعتداء استهدف مقر قيادات المكتب السياسي لحركة حماس أثناء انعقاد المفاوضات. باشرت الجهات الأمنية… pic.twitter.com/vcUtNCuPAO
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) September 9, 2025
أبعاد النجاة على مسار المفاوضات
رغم سقوط ضحايا، فإن نجاة الوفد المفاوض كان لها أثر حاسم في استمرار المحادثات غير المباشرة بين حماس والوسطاء الدوليين. إذ اعتبرت الأطراف الراعية أن أي اغتيال كامل للوفد كان سيُفشل الجهود الدبلوماسية بشكل كامل، وربما يقود إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة.
بين إجراءات أمنية دقيقة، واحتمالات استخباراتية عاجلة، وطبيعة الموقع المحصن، تمكن وفد حركة حماس من النجاة من محاولة اغتيال إسرائيلية معقدة في الدوحة، بينما دفع المرافقون حياتهم ثمناً لهذه الضربة. ومع بقاء الأسئلة مفتوحة حول كيفية حدوث الاختراق الأمني، يظل الأكيد أن هذا الهجوم سيشكّل نقطة تحوّل في معادلات الأمن الإقليمي، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي المرتبط بالقضية الفلسطينية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.