في ظل التحديات المتزايدة التي يشهدها العالم في مجال الأمن الغذائي، تبرز دولة قطر كأنموذج رائد في السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي كهدف استراتيجي وطني ضمن رؤيتها المستقبلية. وقد وضعت الدولة هذا الهدف في صلب أولوياتها التنموية، إدراكًا منها لأهمية بناء منظومة غذائية متكاملة ومستدامة قادرة على تلبية احتياجات السكان في الحاضر والتكيف مع تحولات المستقبل.
7 مؤشرات تقود قطر نحو الاكتفاء الذاتي الغذائي
ومن هذا المنطلق، أطلقت وزارة البلدية الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2030، وتبرز منها 7 مؤشرات جوهرية ترسم الطريق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية. وتأتي هذه الجهود في إطار التزام قطر بتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي كأحد مرتكزات رؤية قطر الوطنية 2030، عبر الإنتاج المحلي، التكنولوجيا، والتخزين الاستراتيجي.

أهداف استراتيجية الأمن الغذائي 2030
تضع الاستراتيجية الوطنية مجموعة من الأهداف الطموحة التي ترتكز على تعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع نطاق الاكتفاء الذاتي تدريجيًا. ومن أبرز هذه الأهداف:
- الوصول إلى 55% اكتفاء ذاتي من الخضروات بحلول 2030.
- تحقيق 50% زيادة في إنتاجية الأراضي الزراعية.
- الوصول إلى 100% اكتفاء ذاتي من منتجات الألبان والدواجن الطازجة.
- تحقيق 80% اكتفاء من الأسماك الطازجة، و60% من الأسماك المجمدة.
- تحقيق 30% اكتفاء من لحوم الضأن والماعز الطازجة، و18% من اللحوم المجمدة.
- الوصول إلى 70% اكتفاء من البيض.
تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد
أحد أبرز مرتكزات الاستراتيجية هو دعم المزارع المحلية ورفع قدراتها الإنتاجية عبر التقنيات الحديثة مثل الزراعة المائية والزراعة الذكية، بالإضافة إلى تحسين جودة المنتجات الزراعية. ووفقًا لبيانات وزارة البلدية، ارتفع إنتاج الخضروات في قطر إلى أكثر من 120 ألف طن في 2024، بينما انخفضت واردات الخضروات إلى نحو 547 ألف طن، مما يدل على بداية واضحة نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد. تشمل المحاصيل المحلية الرئيسية: الطماطم، الخيار، الفلفل، الباذنجان، والكوسة.
تطوير الأسواق المحلية وسلاسل التوريد
حرصت الدولة على ربط المنتجين بالمستهلكين عبر تطوير “ساحات المنتج الزراعي المحلي”، والتي أتاحت للمزارعين بيع محاصيلهم مباشرة للجمهور، مما شجعهم على زيادة الإنتاج وجودة المنتج. كما أن هذه المبادرة تسهم في استقرار الأسعار، وتحسين الأمن الغذائي على مستوى السوق الداخلي.
إنشاء مخزون استراتيجي للسلع الزراعية والمواد الغذائية
لتأمين الغذاء في أوقات الطوارئ والأزمات، تعمل قطر على بناء مخزون استراتيجي احتياطي يشمل 11 سلعة غذائية أساسية و13 مدخل إنتاج زراعي، تُخزن لفترات تتراوح بين شهرين إلى 8 أشهر. ويشمل هذا المخزون سلعًا كافية لفترة 3 أشهر في حال الأزمات. وتأتي هذه الخطوة في إطار حرص الدولة على جاهزيتها واستقلالها الغذائي في مواجهة التحديات المناخية أو الجيوسياسية التي قد تؤثر على سلاسل التوريد العالمية.
تطوير الثروة الحيوانية والسمكية
يمثل قطاع الثروة الحيوانية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الأمن الغذائي، حيث تهدف الدولة إلى الحفاظ على الاكتفاء الذاتي من منتجات الألبان والدواجن بنسبة 100%، وتطوير الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء مثل الضأن والماعز. كما تعوّل قطر على الاستزراع السمكي للوصول إلى 80% اكتفاء من الأسماك الطازجة، مع تعزيز استدامة الصيد البحري التقليدي وفق معايير بيئية.
الابتكار الزراعي والتكنولوجيا الحديثة
تُعد التكنولوجيا ركيزة محورية في مسار الاكتفاء الذاتي. فقد تم اعتماد أنظمة الزراعة الذكية والمائية والبيوت المحمية، إلى جانب إدخال أنظمة ري موفرة للمياه، بما يقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2030. كما يجري تطوير مشاريع الزراعة العمودية، خصوصًا في محطات البحوث الزراعية التابعة لجامعة قطر، ما يسهم في رفع إنتاجية المحاصيل داخل بيئة محكمة ومستدامة.
دعم القطاع الخاص والمزارعين المحليين
تعمل وزارة البلدية والجهات المختصة على تقديم دعم مالي وتقني للمزارعين، مع تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع الزراعة والغذاء. كما تم إطلاق برامج تدريب وتطوير موجهة لأصحاب المزارع الصغيرة والمتوسطة، بهدف بناء قدراتهم وتعزيز الإنتاج الوطني.
الأمن الغذائي في رؤية قطر الوطنية 2030
تأتي الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي متوافقة مع ركائز رؤية قطر الوطنية 2030، لا سيما في الجوانب المرتبطة بالتنمية البيئية والاقتصادية. إذ لا تقتصر الرؤية على الاكتفاء الذاتي فقط، بل تتوسع لتشمل جودة الغذاء، السلامة الصحية، العادات الاستهلاكية السليمة، والتكيف مع التغير المناخي، مما يجعل الأمن الغذائي جزءًا لا يتجزأ من مسار التنمية الشاملة.
تنويع مصادر الغذاء من خلال التجارة والاستثمار الخارجي
رغم التركيز على الإنتاج المحلي، إلا أن قطر لم تغفل أهمية تنويع مصادر الغذاء من الخارج، من خلال اتفاقيات تجارية مع دول مصدرة للغذاء، واستثمارات مباشرة في أراضٍ زراعية في الخارج، خصوصًا في إفريقيا وآسيا الوسطى. وهو ما يعزز من قدرة الدولة على مواجهة أي تقلبات في السوق العالمية للغذاء.
يُمثل مسار الاكتفاء الذاتي الغذائي في قطر حتى عام 2030 نموذجًا شاملًا ومتكاملًا، يجمع بين الإنتاج المحلي، والتكنولوجيا، والاستدامة، والتخزين، والتجارة الدولية، في إطار استراتيجي يضمن الأمن الغذائي للأجيال الحالية والمستقبلية. ومع استمرار الدولة في تحقيق الأهداف المرحلية، تواصل قطر ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في المنطقة في مجال الأمن الغذائي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.